خرجت في تونس في الأسابيع الأخيرة عديد المسيرات المحتجة على الحرب على غزة. بعض المسيرات مرت في ظروف عادية مثلما أبرزت بعض الصحف التونسية (هنا). غير أن عددا من التقارير لمنظمات حقوقية مختلفة أشارت إلى منع عدد آخر من المسيرات خاصة في الأيام الأولى للحرب. بعض المدونات أشارت كذلك إلى صدامات حصلت على إثر هذه المسيرات (هنا). و في الحقيقة و بالرجوع الى تجارب شخصية و تجارب كنت شاهد عيان عليها في فترة صعبة مثلما هي فترة التسعينات و كذلك بالنظر إلى تقارير مختلفة تغطي الفترة الأخيرة فإنه لا يمكن إنكار العراقيل الكثيرة التي تقف أمام تمتع التونسيين بحقهم في التظاهر. و هو ما خلق وضعية معقدة. إذ مقابل شبه استحالة الحصول على ترخيص للقيام بمسيرة يضطر المواطنون للقيام بمسيرات فجئية أو "غير مرخصة".

أشارت الصديقة ولادة على هذه المدونة (هنا) و مدونون آخرون منذ أسبوع إلى بعض الشعارات التي تخللت بعض هذه المسيرات. و تم تركيز بعض النقد بشكل خاص على شعار "لا دراسة لا تعليم حتى نحرر فلسطين". طبعا لا يمكن إلا أن أوافق الاخوة المدونين الذين رأوا في ذلك طروحات لا تساهم في دعم فعلي للفلسطينيين. تكفي الاشارة إلى أن الفلسطينيين أنفسهم بما في ذلك في قطاع غزة متمسكين بالدراسة و التعليم و ينطبق ذلك بالمناسبة حتى على شباب الفصائل التي تمارس العمل المسلح. كما أن القصف الهمجي الاسرائيلي طال كذلك جامعات معروفة في غزة مثل "جامعة النجاح" و "جامعة الأقصى".

غير أنه بدى لي أن تلك الانتقادات قد همشت القضية الرئيسية التي تبرز عندما نتحدث عن المسيرات في تونس. و هي الصعوبة الكبيرة التي تميز أي محاولة للقيام بمسيرة و بالتالي مسألة المنع و الصدامات المشار إليها أعلاه. و رغم ذلك أشارت بعض الشهادات في الأيام الأخيرة أن التلاميذ التونسيين مثلا قد قاموا بمسيرات منظمة و لم يقوموا بالاعتداء على أي من الممتلكات العمومية. كما أن الكثير من المصادر تشير إلى أن الشعارات الرئيسية التي تم تردادها بكثرة هي شعارات بسيطة من نوع "غزة غزة رمز العزة" و "بالروح بالدم نفديك فلسطين". و هكذا فإن شعار "لا دراسة لا تعليم.." كان شعارا هامشيا و هو ما لا يعني أنه لا توجد نزعة طبيعية لدى الشباب التلمذي للتمرد و التهرب من سلطة المدرسة.

إن حق التظاهر هو جزء لا يتجزأ من حق التعبير. و هو تعبير عن مستوى من التحضر و التمدن الذي يؤشر على قيمة الكلمة و التعبير في أي مجتمع من المجتمعات. و من المثير للانتباه أن الآراء التي توصف التظاهر بأنه مجرد "غوغائية" أو "حفلات صراخ" أو "فوضى" أو "نباح كلاب" (مثلما وصف في أحد المرات وزير داخلية دولة خليجية كبيرة مظاهرات بعض الإصلاحيين في بلاده) هي آراء تنحدر أحيانا من من رؤى شديدة التناقض ("ليبرالية" و "سلفية وهابية" مثلا) تقوم بتشويه حق التظاهر بسبب الاتفاق على موقف سياسي معين.

يجب أن أختم الآن بملاحظة كنت أشرت إليها في مدونتي (هنا) و هي التباعد بين ما تهتم به المدونات و بين ما يحدث في الشارع التونسي. بالرغم من كثرة المسيرات التلمذية و الطلابية لم أر أثرا كبيرا لذلك في البلوغوفسير التونسي باستثناء بعض الدعوات لجمع الأدوية في بعض الضواحي الشمالية للعاصمة. في المقابل توجد على الانترنت و خاصة على موقع مثل يوتيوب (المحجوب في تونس) مقاطع فيديو لهذه المسيرات. كم كنت أتمنى لو وجدت مقاطع مماثلة على بعض المدونات و تدوينات بما يعكس رؤيتها الخاصة لما يحدث. بعد ذلك يمكن لنا أن ننقد بعض شعاراتها الثانوية.

عن:Tarek طارق على الساعة 18:56

التسميات:

التظاهر عندنا مازال مجرّد حركة ممنوعة .. كيفها كيف ايّ خطيئة .. حتّى اللي يعملوها .. ما يشدّوش صحيح .. فيسع ما يتفرّقو .. المسألة عندها بعد نفسي زادا .. و كأنّو التظاهر حاجة ماهيش متاعهم .. و كأنّهم لحظتها قاعدين يسرقو في لحظة التظاهر سرقان .. و يخطفو فيها خطفان .. و ماهمش قاعدين يمارسو بكل وعي في حق من حقوقهم كبشر
التظاهر ثقافة قبل كل شيء