قد يصــل تحــــمّـــل مشاهــد التـقتيـــل و الابـادة و اشـلاء اللــحم البشــري المخـتلـط بالانــقاض ، و الوجــوه الملطخـــة ، و الصــدور المثـقــــوبة للرّضــّــع ، و حـِـمم الفـسفور الابيـض المنهــالة عـــلى الاطفـــال لتـعجـــن دُمـاهم مع دِمائــهم ، و كراريسهم مع رؤوسـِـهم ، و حـُـلـْمـَهم مع لـَـحـْمـِـهم ... قد يصل تحمّل كلّ هذا الى حـَــدّهِ .. فتمــتدّ اليد الى الريموت كنترول .. ممسكة به في حركة عصبية ، مرتبــــكة ، منفعلة ، فيها شيء من الجــبن و العجز و الهروب .. لتبحث عن اقــلّ القــنوات اهتمامــا ، و حثــّــًـا على التفكير .. قبل ان ينفجر هذا الدماغ

هــذه قـناة سـينما .. لا قـــدرة لدماغي الان على متابعة احداث فيــلم كامــل.. و التمعّـن في السيناريو و التقنيات و اللـــغة السنمائية و البحــث في محتوى الرسالة المراد تبليغها و...و...و

هذه قناة موســيقى و غناء .. يصيح بي محمود درويش : "لا وقت للمنفى و أغنيتــي" .. فأجنحة الروح .. التي كانت تخفق للموسيقى ، احترقـــت الآن

هــذه قــناة متخصّصـــــــــه في الطبخ .. آه .. هذا جميــل .. يطبخون و يأكلون و يتذوّقون ويشربون النبيذ الجيّد و يبتسمون .. هذا رائع .. لقد عثرت على ظالــّتي
لأتابع هذه الوصفة .. الى أن أنام

المكوّنــات : لحم ، بصل ، ثوم ، طماطم ، نار هادئة

يـُــقـطـّـــع اللــّحم
يـُـفـرم البصل
يـُـرحى الثوم
تـُضاف الطماطم
يوضع الخليط على نار هادئه

يقطع اللحم .. الغضّ .. الطريّ .. الى شرائح ..الى دوائر ..الى مكعّبات ..الى أشــلاء ..الى أحشــاء .. قد تنهشها الكلاب السائبة إن استحال دفنها .. قد لا يتفطّن اليها احد ، فيلتهمها الدود اللعين .. غير مبال ٍ ببقايا احلام تلك الروح التي كانت لـــــتوّها ترتعش شغفا بالحياة

يــُفرم البصل جيدا .. قد نشعر في الاثـــناء بشــيء من الاخـــتـناق و بصعـــوبة كبيرة فـي التـــنفس .. مع سيلان لا ارادي لكمّيات كبيرة من الدموع .. ذاك امر طبيعي .. للبصل المفروم مفعول اسالة الدموع .. البصل مسيّلٌ للدّمــوع .. كغيره من الوسائل المســيلة للدموع .. بل صار بامكاننا اختزال مفعول اطنان من البصل المفــروم في جرّة صغيرة .. نرمي بها وسط حشد من البشر الغاضبين .. المساندين .. الرافضين لتفريقهم و منعهم

يــُـرحي الثوم .. نخلّلــه بين ثنايا اللحم المستعصي .. سيتهرّؤ اللـــحم .. لكن لابأس .. انتم تعرفون ما الذي تشبه رائحتــُهُ رائحة الثوم ؟؟؟ و لمن لا يعرف ، قرأت منذ ايام انّ للفسفور الابيض رائحة الثوم .. اللحم المستعصي .. اللحم العنيد .. يتطلّب ثوما كثيرا .. و فسفورا كثيرا
تحيا الشاشات .. حين تعرض علينا لحما مهترئا
و نحيا نحــــن .. حين ندير وجوهــنا متظاهرين باللامبالاة
قد يحتاج المزيج الى بعض الحمرة .. حمرة الطماطم / الدماء ، إذ لا مـعـنـــى لمــطبخنا الشرقي اللذيـــذ .. دون حمــرة الطماطـــم
كما لا معنى .. لتاريخ هزائمنا المــرّ .. دون حمرة دمائــــنـا

يوضع كل الخليط .. على نار هادئـــه
نار هــــــــــــــادئه
نار هـــــــــــــــــــــــــادئه
كهدوئنا .. كترددنا .. كتخاذلنا
قراراتنا هادئة .. هدوء "العزيــز" الخـصيّ .. امام نهدَي ْ "زليخى" الفاتنه
و قراراتهم أسرع من سريان نار عشق "يوسف" الفاتن .. في فؤاد "زليخى" ـ

هكذا يتســـلـّل الهوس الينـــا





عن:brastos على الساعة 00:01

التسميات:

حساسيّة من نوع رفيع

برافو

شكرا ولادة .. من لطفك

نص بليغ ويعبّر بالفعل عنا وعن شيطان الخوف والجهل والظلم الذي يسكننا... عسى أن يدفع هذا المقال البعض للتفكير قبل أن يبحث عن الديمقراطية والحريّة والعدالة عند من وأد أحلام أطفالنا... واغتال بذلك أحلامنا...
تحياتي...