هذا جزء أوّل من دراسة كنت قد نشرتها بمجلّة المعهد و تتعلّق أساسا بالجانب الفنّي في المعمار و ركّزت فيها على ما يلقّب بالمعمار الرّمزي أي كلّ ما لا يؤدّي وظيفة اجتماعيّة كالتماثيل الصخريّة و النّصب التذكاريّة ، باعتبار أنّ فنّ العمارة قد نال حظّا وافرا من الدّراسات المختصّة .فالمعمار الرّمزي لا يقلّ أهميّة عن القصور و الكنائس و المساجد و المعالم و الأسوار في اختزال ذاكرة الأمم و الشّهادة بحسّها الفنّي .
و يتمثّل هدف الفنّ و حاجته الأصليّة في أن يظهر للعيان ما يتولّد عن الرّوح من التمثلات و التصوّرات و في أن يجليها باعتبارها عمل هذه الرّوح . فهو شأنه شأن اللّغة يبلّغ به الانسان أفكاره و تقع عليه الحواسّ فتدرك ما ينطوي عليه من مضمون . و تتمثّل أهميّة الفنّ الأساسيّة في أنّ ما ينتجه الفكر البشري من تصوّرات و أفكار كونيّة و يلجأ الإنسان كي يتمثّلها إلى تسخير وسائل لا تقلّ تجريدا فيستحوذ على ما هو مادّي و بالتالي فإنّ العلاقة بين المحتوى و الشكل المرئي الذي ينقل الفكرة من تمثل الفنّان إلى تمثّل المشاهد هي محض علاقة رمزيّة . ليس لعمل معماريّ ما -غرضه أن يكشف للآخرين عن دلالة عامّة- من هدف آخر غير أن يعبّر في ذاته عن فكرة جوهريّة ذات فائدة سامية . إنّه لغة تخاطب و إن كانت خرساء . فعلى معالم هذا المعمار أن تحملنا بوسائلها الذاتيّة على التفكير و عليها أن توقظ فينا التمثلات العامّة و ليس الغرض منها فقط أن تحتضن داخلها أشياء ذات دلالة خاصّة بها أو ذات شكل مستقلّ و لهذا السّبب فإنّ الشّكل الذي يبين عن أفكار من هذا القبيل لا يمكن أن يظلّ محض علامة على غرار النصب التذكاريّة . ذلك أنّ من شأن علامات من هذا القبيل أن توقظ فينا جملة من التمثلات نستحضرها ، تلك هي الميزة العامّة للمعمار الرّمزي .و يمكن أن نقول من هذا المنظور إنّ أمما بأسرها لم يتيسّر لها التعبير عن عقائدها الدينيّة و لا عن أشدّ حاجاتها تجذّرا إلاّ بما شيّدت من معالم لأو لنقل إنّ الشكل المعماري كان أبرز أدوات التعبير عند هذه الأمم . غير أنّ ذلك لم يتحقّق بالمعنى الدّقيق إلاّ في الشّرق فهذا الطّابع تشهد عليه بوجه الخصوص البناءات القديمة البابليّة و الهنديّة و المصريّة شهادة بيّنة ، لم يبق منها في الغالب سوى أطلال و لكنّها صمدت في وجه الأزمنة و الثورات

عن:WALLADA على الساعة 10:20

التسميات:

موضوع مهم جدا ولادة... علاقة الشكل بالمضمون موضوع إشكالي للغاية و الرؤى مختلفة جدا بين مؤرخي و فلاسفة الفن كما أنه يختلف حسب العمل الفني و المعماري.. تبقى أهم المحاججات في رأيي تلك المؤسسة على مدونات مرئية (أمثلة) دقيقة