لم نكن و نحن أطفال نشاهد التلفزة كما يشاهدها أطفالنا اليوم. كان الوقت الذي يسمح لنا بالجلوس أمامه محدّدًا لا يتخطّى السّاعة أو السّاعتين في اليوم بعد أن ننجز واجباتنا المدرسيّة . و حين كنّا نجلس ، كانت العائلة بأجمعها تتحلّق حولنا و تتسامر و تعيش متعة جماعيّة أسريّة .
و بينما كان الأطفال و المراهقون في الماضي يعرفون متعة الانفراد بأنفسهم ، فيعيدون النّظر بما مرّ في يومهم ، فيتأمّلون أفكارا و أحداثا عَبَرَتْ أو تعابير صدرت عن آبائهم أو معلّميهم أو مشهدا مرّ في المدرسة حُفرَ بذاكرتهم ، فأطفال اليوم يفتقرون إلى الرّكائز و الثوابت ، يجلس الطّفل اليوم وحيدا أمام الجهاز و لم تعد الأسرة تعيش ذات الألفة و الاستقرار فالأهل يعيشون أزمات و أوضاعا تبعدهم عن بعضهم . فالأب مثلا قد يجد سلوته خارج البيت و إن دخله فلكي ينغمس في جريدته أو حاسوبه أو في قناة إخباريّة يُدمِـنُها إذ غالبا ما يتوفّر في البيت جهازان أو أكثر ، أمّا الأمّ فقد تستقبل بعض صديقاتها أو تنهمك في أمر منزلي أو تغيب عن البيت في عمل أو أيّ شأن خاصّ ... و كثيرا ما تبقى الشّاشة مفتوحة طوال النّهار و الأطفال جالسون أمامها منبهرون بعالم متحرّك مُدهش مثير بمشاكله و بحلوله السّريعة العجيبة .
و السّؤال المطروح : كيف يكون الطّفل شخصيّة مستقلّة مبنيّة على الوعي بالأشياء المحيطة به ؟ فالأطفال ، ضمن هذا الواقع ، يشعرون أنّهم بمنأى عن أنفسهم و مُستَـلبون ليس لهم قرار و هذا يؤدّي بهم إلى الانفصام عن الذّات حتّى ألعابهم لا تتركهم في حالة تأمّل و لا تحيل على المبادرة .
و قد ثبت لأطبّاء النّفس أنّ معظم الكوابيس التي يتعرّض لها الأطفال مأتاها من الصّور التي تسقط رُؤًى في أحداقهم ، و أنّ العنف الذي يراه الطفل على الشّاشة قد يتخيّله يُصيبُ أحد أفراد أسرته فيَهلعُ و يكتئب ، و قد يُبالغُ في تأثّره بتلك الصّور فيراها الحقيقة الجميلة و المُشعّة و الملوّنة و يرى حياته باردة لا أحداث مثيرة فيها و يرى أبطال الأفلام أقوياء بشراستهم و يرى والده ضعيفا منسحبًا و بلا جاذبيّة فيفقد توازنه النّفسي ، و من ثَمَّ يسعَى الطّفل إلى إثارة الكبار بأعمال مثيرة علّه يُحرّك سواكنهم .و لقد تبيّن للمربّين أنّ جهاز التلفزة يجب ألاّ يكون بمنأى عن المدرسة، فالمدرسة بأشخاص مدرّسيها يجب أن تطرح بعض البرامج التي شوهدت بالأمس و تمعن في تحليل بعضها منبّهة إلى تفاهة بعضها ، ملمّحة إلى أنّها تجاريّة و مُستوردة و ليست من الواقع المحسوس في شئ . كذلك على المدرّسين أن يلحُّوا على البرامج الجيّدة و يتناولوها بالتحليل و النّقاش مع تلامذتهم بحيث تخرج المادّة الإعلاميّة من صيغة المُقَـرَّر الجاهز إلى قضيّة قابلة للنّقاش فيتكوّن لدى الطّفل حِسٌّ تحليليٌّ نقديٌّ يساعده لاحقا في مجابهة المُسلّمات الجامدة .

عن:WALLADA على الساعة 19:47

التسميات:

موضوع الطفل والتلفاز موضوع هامّ دون شك ولكن لماذا نطرح القضيّة من الجانب السلبي في كلّ مرّة ألم نلاحظ أطفالنا وهم يستعملون مصطلحات فصيحة تعلّموها من التلفاز ألم يطوّر فيهم التلفاز شيئا من الفكر النّقدي القائم على المقارنة القائمة بين ما هو افتراضي وحقيقي بل لماذا يجب أن نجعل من انفسنا المرجع في كلّ موضوع فنقول كنّا وكنّا أيعني هذا أنّنا الجيل المثالي ؟ ولاّدة أدّعي أنّي من الذين يحترمون طرحك للقضايا ولكن يجب تنسيب الأمور حتّى لا يكون المثال هو نحن دون سوانا

باخوس

أتّفق معك تمام الاتّفاق و أحترم تعبيرك الصّادق على الاختلاف

و لكن يا صديقي ، النّقاط الإيجابيّة في أيّ قضيّة تهمّ مجتمعنا هي من المكتسَب الحاصل و سعداء بتوفّرها

تبقى الجوانب السّلبيّة كما في أيّ مجتمع ، من غيرنا يعرّيها بهدف الإصلاح و ليس الهدم ؟ من غيرنا يلفت الانتباه للنّقائص بقصد تلافيها ؟

لقد شاهدت شريطا وثائقيا حول تأثير ألعاب الفديو على الاطفال ، وحاول هذا الشريط أن يثبت أن الاطفال الذين يقبلون على هذه الالعاب يصبحون أكثر قدرة على معالجة المعلومات من سواهم... قد يكون للتلفزة نفس التأثير ،و لكن ماذا نفعل بهذه القدرة (بهذا الذكاء) ان لم توجه نحو خدمة المجتمع و اقتصرت على المصلحة الفردية الضيقة.. هذا السلوك الذي سيغذيه انعزال الطفل لساعات طويلة أمام التلفاز ويكرسه اكتفاؤه بذاته (وتلفازه).
أجد اقتراحك: تكسير هذه العزلة ( بالحوار حول البرامج التي تقدم ) اقتراحا ذكيا..

لاعب النّرد

شكرا على التعليق و التفاعل

C'est essentiellement la responsabilité des parents...

اللصّ

هذا أكيد و هذاك علاش تحدّثت في المقال على دور الأسرة و خصوصا الأب و الأمّ

اللص رقم واحد! اذا كان الوالدان على قدر من الذكاء و الفهم و التطور و الروح النقدية و التقاعل مع الواقع، و المطالعة، يكفي ام ازيد؟ الوالد او الوالدة الذي او التي تضع نفسها او نفسه المثال و المقياس يضر الطفل، نفس الشيء بالنسبة للمعلم و الاستاذ، من يظن نفسه مقياس الحقيقة و وصيا على "القصّر" غالبا ما يكون العكس

merci beaucoup